عن طريق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلا يمكن للغة ولا لعقل أن يأتي بشيء فضلا عن أن يستقل به، ومن ثم كان لا بد من الرجوع إلى البيان منه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما رجع إليه الصحابة- رضوان الله عليهم- لذا فإنا نؤيد العلماء (١)، فيما نقدوا لابن خلدون قوله:
(إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه) (٢).
وأقرب دليل على خطأ ابن خلدون ما نشاهده اليوم من الكتب المؤلفة على اختلاف لغاتها، وعجز كثير من أبناء هذه اللغات عن فهم كثير مما جاء فيها بلغتهم، إذ الفهم لا يتوقف على معرفة اللغة وحدها، بل لا بد لمن يفتش عن المعاني ويبحث عنها من أن تكون له موهبة عقلية خاصّة، تتناسب مع درجة الكتاب وقوة تأليفه (٣).
يقول الدكتور سيد أحمد خليل (٤): إن هذا التعميم من ابن خلدون في مقدمته، فيه شيء من المجازفة التي لا يقرها تاريخ التفسير نفسه، لذا استدرك ابن خلدون بعد هذه العبارة قائلا: إن في القرآن نواحي في حاجة إلى البيان، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبين المجمل، والناسخ والمنسوخ يعرفه أصحابه فعرفوه، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منقولا عنه.
فهذا إقرار من ابن خلدون بأن فهم اللغة غير كاف لمعرفة تفسير القرآن الكريم، بل لا بد من الرجوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لفهم المعاني الأخرى التي يتعذر معرفتها بدونه صلّى الله عليه وسلّم، ثم إن ابن خلدون نفسه قد ساق قصة وردت في صحيح الإمام البخاري أن عديّ ابن حاتم لم يفهم قوله تعالى:.. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.. [البقرة: ١٨٧] (٥). وساق قصته المعروفة.
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ٣٦٦ الأميرية.
(٣) دراسات في مناهج المفسرين ص ٢٤٩.
(٤) انظر: كتابه نشأة التفسير في الكتب المقدسة ص ٣٢، والكتاب طبع بالإسكندرية سنة ١٩٥٤ م.
(٥) وانظر صحيح البخاري (١٩١٦).