وقد ذهب إلى هذا التقسيم الحافظ ابن كثير، وبيّن الحكم الشرعي في كل نوع فقال: إن الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد وهي على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه فذاك المرفوض.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل. فهذا لا نؤمن به ولا نكذبه ويجوز حكايته، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب أهل الكهف، ولون كلبهم وعددهم.
وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلّم الله عنها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ودنياهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز (١). بهذا التقسيم الدقيق والتحقيق البالغ من ابن كثير، نستطيع أن نفهم الأحاديث الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشأن الإسرائيليات، فقد روى البخاري عن ابن عمرو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (٢). فهذا الحديث يتعلق بما وافق شرعنا.
أما ما روي عن عمر أنه كان يقرأ في التوراة فغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم فهذا محمول على ما خالف شرعنا.
أما ما سكت شرعنا عنه، فلا هو من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا» (٣).
(٢) انظر صحيح البخاري في كتاب الأنبياء ح (٣٤٦١)، وقد أخرجه أحمد (٢/ ١٥٩، ٢٠٢ والترمذي ح (٢٦٦٩).
(٣) الحديث لا تصدقوا أهل الكتاب. أخرجه البخاري في كتاب التفسير ح (٤٤٨٥).