العرب لها جعلها عربية، فهي أعجمية في الابتداء، عربية في الانتهاء، وكما يقول ابن جني: فما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم.
قال ابن عطية: فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية. لكن استعملتها العرب وعربتها، فهي عربية بهذا الوجه، فقد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات، وبرحلتي قريش، كسفر «مسافر ابن أبي عمرو» إلى الشام، وكسفر «عمر بن الخطاب» وكسفر «عمرو بن العاص» و «عمارة بن الوليد» إلى أرض الحبشة، وكسفر «الأعشى» إلى الحيرة، وصحبته لنصاراها مع كونه حجة في اللغة، فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيّرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها، حتى جرت مجرى العربي الصحيح، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحدّ نزل بها القرآن، ثم تابع ابن عطية حديثه فقال ردّا على الطبري: «وما ذهب إليه الطبري رحمه الله من أن اللغتين اتفقتا لفظة لفظة بذلك بعيد، بل إحداهما أصل والأخرى فرع، وليس بأولى من العكس.. » (١).
إن هذا القول لا يقلل من شأن عربية القرآن لا من قريب ولا من بعيد، بل يدل على مرونتها واتساعها لما هو مستحدث وجديد، وكما قيل، ولنا أن نضيف إليها كلمات لم تكن مستعملة من قبل، ولقد أضاف لها العرب في جاهليتهم وإسلامهم، وصبوا ذلك في قوالبهم، وأصبحت الألفاظ المعرّبة عربية فصيحة.
يقول السيوطي: وقد رأيت الجويني ذكر لوقوع المعرّب في القرآن فائدة أخرى فقال: إن قيل: إنّ (إستبرق) ليس بعربي، وغير العربي من الألفاظ دون العربي في الفصاحة والبلاغة، فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظة تقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك. فمثلا كلمة (إستبرق) إن أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه، لأن ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة، ولا يجد العربي لفظا واحدا يدلّ عليه، لأن الثياب من