فهناك معجزة موسى عليه السلام التي كانت في عصاه، وهي تتلاءم مع قوم برعوا في السّحر، إذ احترفوا السحر حرفة، ويدلنا على معرفة قومه بالسحر، تلك الآيات
القرآنية التي تحدثت عن فرعون ودعوته للسحرة في زمنه:
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ [يونس: ٧٩].
وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ١١١ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ [الأعراف: ١١١ - ١١٢].
وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ [الشعراء: ٣٦ - ٣٧].
واستجاب له السحرة وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ [الأعراف: ١١٣].
لقد وردت مشتقات كلمة سحر، فوردت كلمة ساحر (إفرادا)، والسحرة (جمعا)، ووردت بصيغة اسم الفاعل (ساحر)، واسم الفاعل الموصوف (ساحر عليم)، ووردت بصيغة المبالغة على وزن فعّال (سحّار)، كلّ هذا يشعرنا بما عليه القوم من علم بالسّحر وفنونه، وقوم هذا شأنهم أهل للتحدي الكبير في هذا المجال، وجعلت لهم المكافأة العظمى إن كانوا غالبين. وأيّة مكافأة أعظم من أن يكونوا من المقربين... من الطاغوت العظيم إلههم فرعون... لقد استجمعت جميع عناصر التحدي:
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ١١٥ قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ١١٦ وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ١١٧ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١١٨ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ ١١٩ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ١٢٠ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ١٢١ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ١٢٢ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ١٢٣ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ١٢٤ قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ [الأعراف: ١١٥ - ١٢٥].
وهكذا وقع التحدي، وانتهى بإيمان السّحرة أجمعين بالله رب العالمين.
وقل مثل ذلك في معجزة عيسى عليه السلام، حين برع قومه في الطب، فجعل المعجزة من جنس ما عرفوا وبرعوا فيه، جعل الله على يد عيسى إحياء الموتى قبل


الصفحة التالية
Icon