للصرف لا للبيان المعجز. ولو كان هناك سلب لعلومهم لكان الفرق بين كلامهم بعد التحدّي وكلامهم قبله كالفرق بين كلامهم بعد التحدّي وبين القرآن، ولما لم يكن كذلك بطل القول بالصرفة (١).
والعرب لم تفقد عقولها بعد بالتحدي، فإن سلب العلوم ونسيانها في هذه المدة اليسيرة دليل على زوال العقل، ومعلوم بقاء العقول بعد التحدّي كما كانت، بل من تغلّب على نزغات الشيطان، وترك اتباع الهوى في نفسه، وترفع عن الحسد والبغضاء، وآمن بدعوة الحق، ازداد عقله رجاحة وصفاء.
وما أحسن ما قاله السيوطي في إبطال القول بالصرفة حيث يقول: «وهذا فاسد بدليل قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: ٨٨].
فإنها تدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره» (٢).
والإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز، بل المعجز هو الله تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله. ثم قال السيوطي: «ولو كانت المعارضة ممكنة. وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون بالمنع معجزا، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه» (٣).
ومن الوجوه الفاسدة تلك الأقوال المستحدثة والمبالغة المفرطة في إعجاز القرآن العلمي، في كل كلمة وحرف ورد فيه. فجعلوا من القرآن كتابا في التشريح وكتابا في الفضاء وكتابا في كل فن.
(٢) الإتقان للسيوطي ٢/ ١١٨.
(٣) المرجع السابق.