الذي يختلف باختلاف اللغات ويتفاوت الناس في فهمه، ويتفاوت المتكلمون في درجة الإجادة فيه.
وهاك مثالا يوضح المقصود والمراد من قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء: ٢٩].
فلو ترجمتها ترجمة حرفية ما بلغت المراد منها، لأن المراد: النهي عن البخل والإسراف، ولست ببالغه من ظاهر الألفاظ، أي من الترجمة الحرفية، وإن أردت المعنى والتفسير وترجمته ونقله إلى لغة أخرى لم يستعص عليك ذلك، إذا فهمت- وكان فهمك صوابا- في تعيين المعنى، ولكن عندها لن يكون كلامك قرآنا، ولو كان بلغة القرآن نفسها فأنى يكون للغة غيرها أن نسميها قرآنا؟
لذا قرر العلماء- قديما وحديثا- أن الترجمة الحرفية مستحيلة، ولا يجوز أن تسمى الترجمة قرآنا، ولا أن يسند شيء منها إليه تعالى، فيقال: قال الله: كذا، فإسنادها إليه تعالى كذب وافتراء.
أما ترجمة معاني القرآن أو الترجمة التفسيرية، فلا ريب بجوازها، بل قل وجوبها إذا كان لا يتم التبليغ للقرآن إلّا بها، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.
يقول شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي وذلك بصدد تفسيره للآية:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: ١٥٨].
وما أنزل إليه عليه الصلاة والسلام بلسان العرب بخاصة، فكيف يخرج به جميع الناس من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان فأجاب عنه بقوله: (وما أرسلنا من رسول إلى الأمم التي اختلفت ألسنتهم إلّا بلغة قومه الذين هو منهم، إذ لا حاجة إلى أن ينزل إلى كلّ قوم كتاب ملتبس بلغة أولئك القوم، لأن ذلك ينوب ويكفي عن التطويل اللازم من ذلك، فإذا أنزل بلسان واحد من الأقوام كان أولى الألسنة لسان قوم الرسول، لأن قومه أقرب الناس إليه، فكان حقّهم عليه أقدم، وكان الأولى أن يدعوهم إلى الحقّ أولا، وينذرهم عن المخالفة والعصيان، حتى إذا فهموا منه، يبينون ما أرسل إليهم، ويترجمون لغيرهم ما فهموه، فتنتشر دعوته بذلك إلى أطراف العالم) (١).