وقد تجد فيه العجب العجاب الذي تطير منه الألباب، وما علموا أن هذا القصص ليس للتسلية والتاريخ، إنما هو للعبر والاتعاظ وللتنبيه إلى سنن الله في الاجتماع البشري، وبيان مآل الأقوام حين تحيد عن منهاج الله وتسلك سبيل الظلم والضلال.
وما علموا أن الذي أضافوه من الغث والسمين، لا يضر ولا ينفع، وكأنهم يرون نوعا من الاستدراك على القرآن وإكمالا للنقص في القصة، وفي هذا وذاك قصور في النظر في محتوى القصص القرآني، لأن الله سبحانه وتعالى حين قص علينا أحسن القصص بالصورة التي وردت في القرآن، قد استوفى الفائدة المرجوة من القصة على الصورة التي وردت من غير زيادة ولا نقص، ولو كان شيئا يهمنا ويفيدنا في زيادة أكثر مما هو مذكور لقصّه لنا، فمثلا حين قصّ علينا قصة أهل الكهف لم يذكر لنا أسماءهم، ولا وصف حالهم في نومهم ويقظتهم، ولا اسم الملك الظالم في زمنهم، ولا اسم كلبهم، ولا مكان كهفهم الذين نزلوا فيه، وإنه وإن كانت النفوس تتشوق لمثل ذلك إشباعا لغريزة حب الاستطلاع، إلا أن هدف ومراد القصص لم يسق لتحقيق شيء من ذلك، ولو كان ذكر ذلك مقصودا لذكره الله لنا، فإن الله ينزه عن إهمال ذكر شيء ينفعنا علمه، بل هو كما قال المفسرون: (هو شيء لا ينفعنا ذكره ولا يضرنا جهله، ولو كان ينفعنا أو يضرنا لذكره الله لنا) (١).
وإنما كان المفسرون لا يرون كبير بأس في التوسع في ذكر هذه القصص، لأنها لا تتعلق بعقائد أو أحكام، ولكنها من قبيل الاعتبار والعظة، وغرس فضائل الأعمال. قال الإمام أحمد بن حنبل: (إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا) (٢)، فبالأحرى القصص.
وممن توسع في إيراد القصص في التفسير أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعالبي النيسابوري المتوفى سنة سبع وعشرين وأربعمائة صاحب «التفسير الكبير»، وكذلك عبد الله بن عمرو بن العاص الذي أصاب جملة من كتب أهل الكتاب، وأدمن

(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري ٧/ ١٣٥.
(٢) القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد لابن حجر العسقلاني ص ١١.


الصفحة التالية
Icon