أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ٢ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [العلق: ١ - ٥].
بهذه الآيات الخمس استهل نزول القرآن ليعلمنا أن العلم والتعلم والكتابة بالقلم هي الوسيلة التي لا وسيلة غيرها لتبليغ هذه الرسالة في مقتبل عمرها، وقد أصبح معلوما بل بدهيا أن هذه الآيات الخمس هي أول ما نزل من القرآن.
٢ - القول الثاني: روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله أن أول ما نزل هو سورة المدثر، وأسوق إليك هذه الروايات بطولها دون اختصار لسندها ومتنها لحكمة مقصودة قصدها الإمام البخاري من تعداده للطرق واختلاف الرواة.
فقد رواه أولا- عن يحيى بن موسى البلخي، قال: حدثنا وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: ١].
قلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني، فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي، فرأيت شيئا، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني، وصبّوا عليّ ماء باردا، قال: فدثروني، وصبوا عليّ ماء باردا، فنزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: ١ - ٢]» (١).
ورواه ثانيا- عن محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره- أي أبو داود الطيالسي- قالا: حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الحديث نفسه (٢).

(١) فتح الباري ٨/ ٦٧٦. ح (٤٩٢٢).
(٢) المرجع السابق ح (٤٩٢٣).


الصفحة التالية
Icon