ومن العلماء من قال بترجيح نزول آية: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: ٢٨١].
وقد ذهب إلى ذلك الزرقاني وقال: إن النفس تستريح لمثل هذا القول لما تحمله هذه الآية في طياتها من الإشارة إلى ختام الوحي والدين، بسبب ما تحث عليه من الاستعداد ليوم الميعاد، وما تنوه به من الرجوع إلى الله، واستيفاء الجزاء العادل من غير غبن ولا ظلم، وذلك كله أنسب بالختام من آيات الأحكام المذكورة في سياقها. وأيد ذلك أيضا أن الروايات قد نصت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عاش بعد نزولها تسع ليال فقط ولم تظفر الآيات الأخرى بهذا التنصيص.
أما الجمع بين هذه الروايات فهو المسلك الاسم والأصوب، ما دام الجمع ممكنا، وهو مقدم على الترجيح، لأن في الجمع إعمال الأدلة، وفي الترجيح إهمال لبعضها.
لذا فقد سلك الإمام السيوطي هذا الطريق، ونقل ذلك عن الحافظ ابن حجر العسقلاني.
قال السيوطي: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا، واتقوا يوما، وآية الدّين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ولأنها في قصة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما أنزل بأنه آخر وذلك صحيح.
هذا القول السديد في آخر ما نزل، وبالتأمل الدقيق في هذه الروايات نجد دلائل قوية مع من ذهب إلى الجمع بين الأقوال، ونجد ضعف حجج المرجحين.
أما دلائل الجمع بين الروايات فلما أسلفنا من أن إعمال جميع الأدلة خير من إهمال بعضها، وليس في هذه الروايات ما يناقض بعضه بعضا، حتى نرجح بعضها أو نسقط شيئا منها.
وكذلك فإن ابن عباس، الذي صح عنه رواية آخر ما نزل آية الربا، هو نفسه من روى عنه آية وَاتَّقُوا يَوْماً.. ، ولا يعقل أن يناقض نفسه. فالأولى أن نقول بعدم التناقض في أقواله.