يقول الحافظ ابن حجر في شرح الحديث- ورقمه (٤٥٥٥) -: كذا ترجم المصنف بقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس، فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه، وجاء عنه من وجه آخر: آخر آية نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أخرجه الطبري من طرق عنه، وكذا أخرجه من طرق جماعة من التابعين، وزاد ابن جريج قال: «يقولون: إنه مكث بعدها تسع ليال» ونحوه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وروي عن غيره أقل من ذلك وأكثر، فقيل: إحدى وعشرين، وقيل: سبعا، وطريق الجمع بين القولين أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن.
شبهات في آخر ما نزل من القرآن:
وردت روايات عن الصحابة صحيحة، وأخرى ضعيفة في أواخر ما نزل من القرآن وليس في هذه الروايات ما رفع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فتحتمل أن تكون الرواية
قالها الصحابي بضرب من الاجتهاد، وتحتمل أن تكون آخر ما سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ولا يلزم أن يكون آخر ما سمعه هو آخر القرآن نزولا، لأن قول الصحابي في مثل هذا الأمر، يعطي حكم الموقوف، ولا يعطي حكم الرفع، لأن مضمونها لا يتوقف على التلقي والتوقيف، بل يمكن معرفته عن طريق ملازمة الرسول في أيامه الأخيرة.
فكلّ يرى أنه سمع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم شيئا من القرآن قبل وفاته لم ينزل عليه بعده شيء فيكون آخر ما نزل من القرآن بحسب ظنه واجتهاده، كما في حديث عثمان المشهور «براءة من آخر ما نزل». وكما ورد عن عائشة (أن آخر سورة نزلت المائدة) ومن هذه الآثار ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب، أن آخر سورة نزلت براءة، وأخرج مسلم عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر: ١].
وفي هذه الروايات الصحيحة نظر في متنها، والكلام يطول في مناقشة كونها آخر ما نزل، وفي دعوى نزولها كاملة، أو نزول معظمها إذ من المحتم من خلال استقراء