وهذا القول على الرغم مما قيل في سنده، إلّا أن ابن جرير قد استشكل عليه فهم السدي ومن وافقه من أن المقصود من إكمال الدين، في هذه الآية، أن جميع الفرائض والأحكام قد تمت قبل نزولها، مع أنه نزل بعدها آية الربا وآية الدين وهما من آيات الأحكام.
وقد دفع ابن جرير هذا الإشكال بقوله:
(والأولى أن نتأول آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.. على أن الله أكمل لهم دينهم بإقرارهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين عنه حتى حج المسلمون لا يخالطهم المشركون).
ثم أيده بما روي عن ابن عباس: (كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا، فلما نزلت «براءة» نفي المشركون عن البيت الحرام، وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين) فمعنى الآية أن المراد بإكمال الدين إكمال سلطانه وسطوته، وإعلاء كلمته وتقوية شوكته، حيث ذل المشركون أما المسلمين، وخضعوا لقول الله تعالى في السورة نفسها «براءة»: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [التوبة: ٩].
فلم يجترئ أحد منهم على مخالفة هذا الحكم. هذا التأويل الذي ذهب إليه السدي، ومن وافقه، لا ينفي أن ينزل بعدها آيات في الحلال والحرام. في الوعظ والتذكير والوعد والوعيد ونحو ذلك.
وأخيرا فإن الزعم بأن هذه الآية آخر ما نزل، لم يقل به أحد من السلف فيما أعلم (١).

(١) انظر جامع البيان في تفسير هذه الآيات من سورة المائدة.


الصفحة التالية
Icon