روي عنه نزر يسير، وهو إذا لم يكتم علما في معرفته نفع للأمة، فإنه يكون قد علّمه إلى من سمع منه من التابعين رضوان الله عليهم.
يبقى القول في بعض الآيات التي اختلف في زمن وموطن نزولها، هذه الآيات قلائل، وقد أمكن معرفتها وفق معايير دقيقة، كالنظر في طابع الآيات المكية والمدنية، ومميزات كل منها ومدى انطباق الآيات عليها، أو بالتتبع التاريخي لسير الدعوة الإسلامية ومقتضيات كل مرحلة، أو قرائن أخرى يعرفها المتمرس في القرآن وعلومه، والله أعلم.
مميزات المكي والمدني:
تحدثنا عن الطريق الموصلة لمعرفة المكي والمدني، وعرفنا أن السبيل إلى ذلك هو السماع عن الصحابة- رضوان الله عليهم- أو عن كبار التابعين، بيد أن هناك بعض الآيات التي اختلف في مكيتها ومدنيتها مما اضطر العلماء إلى القول فيها بالاجتهاد والقياس، وذلك وفق ضوابط أو قرائن يمكن بوساطتها الحكم عليها، ولدى استقراء الآيات القرآنية وجد أن للمكي ضوابط ومميزات معينة تختلف نوعا ما عن الطابع المدني أبرزها:
١ - أن السور المكية يغلب على آياتها القصر، فسورة المدثر على سبيل المثال عدد آياتها ست وخمسون آية، وجلّ آياتها كلمتان أو ثلاث أو بضع كلمات على الأكثر ولا يستثنى من ذلك إلّا آية واحدة رقم (٣١): وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ [المدثر: ٣١].
أما السور المدينة فنحن نلحظ طول آياتها (١)، وإذا قارنا حزبا من الأحزاب القرآنية المكية كالحزب الذي فيه سورة الشعراء، وحزبا مدنيا كالذي فيه سورة الأنفال، نجد فارقا عظيما في عدد آيات الحزب المكي والحزب المدني.