ومع عناية الثورى بالتفسير فانه لم يفسر القرآن على الطريقة المعروفة الآن وهى تتبع القرآن من أوله سورة سورة. وآية آية، حتى ينتهى إلى آخره، دون أن يترك آية بدون تفسير.
كان سفيان- إذن- يفسر آية من هنا وآية من هناك... إنه كان يفسر الآية التى تحتاج إلى نوع من الشرح والإيضاح الذى يحتاجه بعض الناس لقصورهم فى اللغة، أو لقصورهم فى الثقافة.
وإذا فسر الإنسان القرآن كلمة كلمة، وآية آية... وسورة سورة، على هذا النسق الحالى، فقد قيد القرآن- فى وهمه وفى وهم من اتبعه- بفكرته بثقافته، بعقليته، بهواه إن كان صاحب هوى...
وما من شك فى أن أسلوب القرآن يتحكم فى المفسر، ولكن المفسر مهما حاول أن يستجيب إلى أسلوب القرآن فانه يجد مجالا للتأويل حتى يصل إلى ما يرى- بحسب مستواه- أنه حق.
ومع ذلك ومع كل ما قاله المفسرون مع قدماء ومن محدثين، ورغم مئات الشروح التى وضعت للقرآن فان القرآن ما زال غضّا نضرا جديدا، فياضا بالمعانى، سيلا بالإلهامات، ومن أجل هذه النضرة، ومن أجل ترك أبواب الإلهامات يوحيها القرآن كل يوم لقارئه، لم يفسر رسول الله صلّى الله عليه وسلم القرآن كلمة كلمة، وسورة سورة، وإنما هى كلمة من هنا وآية من هناك، بحسب الظروف والمقتضيات... وانظر مثلا كتاب التفسير فى صحيح البخارى أو فى صحيح مسلم أو فى غيره من كتب الصحاح فستجد أن تفسير رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنما هو على ما ذكرنا...
ولم يحاول كبار الصحابة تفسير القرآن على الوضع المألوف عندنا الآن، ذلك لأنهم كانوا يرون أن القرآن فى انطلاقه الموحى وفى نظرته الملهمة باستمرار، وفى تأثيره الروحى والأخلاقى يجب أن لا تحده حدود، وأن لا تقيده قيود ذهنية بشرية.
ومن أجل بقاء استمرار القرآن فياضا بالهداية، لا يحجب نبعه الصافى