«وشمرت عن ساق الجد، وبذلت غاية الجهد والكد، وأسهرت الناظر، وأتعبت الخاطر، وأطلت التفكير، وأحضرت التفاسير، واستمددت من الله سبحانه التوفيق والتيسير، وابتدأت بتأليف كتاب هو فى غاية التلخيص والتهذيب، وحسن النظم والترتيب، بجمع أنواع هذا العلم وفنونه، ويحوى فصوصه وعيونه، من علم قراءاته،
واعرابه ولغاته، وغوامضه ومشكلاته، ومعاينة وجهاته، ونزوله وأخباره، وقصصه وآثاره، وحدوده وأحكامه، وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين فيه، وذكر ما ينفرد به أصحابنا رضى الله عنهم من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحة ما يعتقدونه من الأصول والفروع، والمعقول والمسموع على وجه الاعتدال والاختصار، فوق الايجاز ودون الاكثار، فان الخواطر فى هذا الزمان لا تحتمل أعباء العلوم الكثيرة، وتضعف عن الاجراء فى الحلبات الحظيرة، اذ لم يبق من العلماء إلا الأسماء، ومن العلوم إلا الذماء، وقدمت فى مطلع كل سورة ذكر مكيها ومدنيها، ثم ذكر الاختلاف فى عدد آياتها، ثم ذكر فضل تلاوتها ثم أقدم فى كل آية الاختلاف فى القراءات، ثم ذكر العلل والاحتجاجات، ثم ذكر العربية واللغات ثم ذكر الاعراب والمشكلات، ثم ذكر الاسباب والنزولات، ثم ذكر المعانى والأحكام والتأويلات، والقصص والجهات، ثم ذكر انتظام الآيات، على أنى قد جمعت فى عربيته كل غرة لائحة، وفى اعرابه كل حجة واضحة وفى معانيه كل قول متين، وفى مشكلاته كل برهان مبين، فهو بحمد الله للأديب عمده، وللنحوى عده، وللنحوى عده، وللمقرئ بصيرة، وللناسك ذخيرة، وللمتكلم حجة، وللمحدث محجة، وللفقيه دلالة، وللواعظ آلة.
وسميته كتاب «مجمع البيان لعلوم القرآن» وأرجو ان شاء الله تعالى أن يكون كتابا كثير الدرر، غزير الغرر، متواصف السمات، متناسق الصفات، سيارا فى الانجاد والأغوار، طيارا فى الآفاق والاقطار، مهذب الترتيب، مذهب التهذيب، أحكام الشريعة بمعانيه منوطة، وأعلام الحقيقة