ونحن وان كنا نشكر ابن كثير على موقفه هذا من آراء التابعين الذى يدل على نزعة طيبة نحو التقريب وتقليل شقة الخلاف فإننا نرى أن التابعين بحكم اصالتهم كانت لهم آراؤهم المتباينة.
وإذا سألت الآن عن موقف ابن كثير من التفسير بالرأى فإنه يقول: «أما التفسير بالرأى فقد ورد عن السلف ما يدل على تحرجهم عن الكلام فى التفسير بما لا علم لهم فيه
فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه».
وهذا الرأى لا بن كثير رأى موفق، أنه لا حرج على من تكلم فى التفسير بالرأى ما دام قد استكمل عدة ذلك من اللغة ومن الشرع.
وقد طبق ابن كثير منهجه هذا النفيس فى كتابه ومن أجل ذلك كان تفسيره من انفس التفاسير، يرجع إليه المحققون وقد استفاد منه الكثيرون فيما بعد فاغترف منه اغترافا صاحب محاسن التأويل وصاحب تفسير المنار وغيرهم كثير..
ومن أمثلة هذا التفسير ما يلى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (سورة البقرة الآية ٢٥٤) يأمر الله تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم فى سبيله سبيل الخير ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم وليبادروا إلى ذلك فى هذه الحياة الدنيا.
(من قبل أن يأتى يوم) يعنى يوم القيامة.
(لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) أى لا يباع أحد من نفسه ولا يفادى بمال لو بذله ولو جاء بملء الأرض ذهبا لا تنفعه خلة أحد يعنى صداقته بل ولا نسابته كما قال: (فإذا نفخ فى الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون).