فقال: اذا تم على هذه الكيفية كان فى نحو عشرين مجلدا وأهل العصر لا يرغبون فيما بلغ من التطويل إلى دون هذا المقدار.
ثم أرشدنى إلى الاختصار ففعلت..
وما كان هذا الشيخ وحده هو الذى يفعل مع الشوكانى ذلك، وإنما كان غيره من خيرة الشيوخ يفعلون ذلك أيضا، وكان الشيوخ اذ ذاك يتخذون العلم رسالة يريدون بها وجه الله، ولا يتخذونه حرفة أو مهنة، وكانوا كلما رأوا طالبا مجدا ساعدوه مساعدة فعاله، ساعدوه فى العلم وساعدوه فى السلوك حتى يصبح شيخا له تلاميذ يساعد المجد منهم فى العلم، ويساعده فى حسن السلوك.
وتربع الشوكانى على منصة العلم فى صنعاء، ودرس وأفتى، وكان الناس لا يكادون يذهبون فى الفتوى إلى غيره، وكانوا يحبون أن ينفحوه على الفتوى بعض المال فكان يأبى ويقول هذه الكلمات النفيسة:
«أنا أخذت العلم بلا سبب فأريد انفاقه كذلك».
وفى سنة ١٢٠٩ هـ كان الشوكانى فى السادسة والثلاثين من عمره المبارك، توفى قاضى القضاة، ونترك الآن للشوكانى يقص ما جرى، وهى قصة لها مغزاها العميق نضعها أمام طلاب الدنيا والمناصب الذين يجرون وراء الرئاسة والحكم:
وكان المتولى لهذا المنصب مرجع العامة والخاصة وعليه المعول فى الرأى والاحكام ومستشار الامام الوزراء فيما يعرض لهم وللدولة من احداث أو ما ينوبهم من أمور:
فلما مات فى ذلك التاريخ وكنت اذ ذاك مشتغلا بالتدريس فى علوم الاجتهاد والافتاء والتصنيف مجتمعا عن الناس لا سيما أهل الأمر وأرباب الدولة، فانى لا اتصل بأحد منهم كائنا من كان.