اعتصار، فصار العلم بالقيوق والعلماء أعز من بيض الأنوق. والفضل معلق باجنحة النسور، وميت حى الأدب لا يرجى له نشور:

كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولكن الملك المنان- أبقى من فضله الكثير قليلا من ذوى العرفان، فى هذه الازمان دينهم اقتناص الشوارد، وديدنهم افتضاض ابكار الفوائد، يرون فيرمون، ويقدحون فيرون، لكل منهم مزية لا يستتر نورها، ومرتبة لا ينتثر نورها، طالما اقتطفت من ازهارهم، واقتبست من انوارهم، وكم صدر منهم أودعت علمه صدرى، وحبر فيهم افنيت فى فوائده حبرى، ولم أزل مدة على هذه الحال لا أعبأ بما عبا لى مما قيل أو يقال، كتاب الله لى أفضل مؤنس، وسميرى إذا اخلوا لكشف ظلمة الحناوس.
نعم السمير كتاب الله أن له حلاوة هى احلى من جنى الضرب
به فنون المعانى قد جمعن فما تفتر من عجب ألا إلى عجب
أمر ونهى وأمثال وموعظة وحكمة أودعت فى أفصح الكتب
طائف يجتليها كل ذى بصر وروضة يجتنيها كل ذى ادب
وكانت كثيرا ما تحدثنى فى القديم نفسى، أن أحبس فى قفص التحرير ما اصطاده الذهن بشبكة الفكر، أو اختطفه باز الالهام فى جو حدس.
فاتعلل تارة بتشويش البال يضيق الحال، وأخرى يفرط الملال وسعة المجال إلى أن رأيت فى بعض ليالى الجمعة من رجب الأصم سنة الألف والمائتين والاثنتين والخمسين بعد هجرة النبى صلّى الله عليه وسلم رؤية لا أعدها اضغاث احلام- ولا أحسبها خيالات أوهام: إن الله جل شأنه- وعظم سلطانه امرنى بطى السموات والأرض ورتق فتقهما على الطول والعرض، فرفعت يدا إلى السماء، وخفضت الأخرى إلى مستقر الماء- ثم انتبهت من نومتى وأنا مستعظم رؤيتى فجعلت افتش لها عن تعبير، فرأيت فى بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير،


الصفحة التالية
Icon