من قوله «المكذبين» ومراده «بالكافرين» نفس المكذبين المذكورين قبله، وكان الظاهر الاضمار، أى أن يقول «وانه لحسرة عليهم» لكنه أتى بالاسم الظاهر ليتناول به وصفا جديدا لهؤلاء المكذبين وهو كونهم كافرين ويحتمل أن يرجع ضمير «وانه» الى القرآن أى القرآن سيكون حسرة على المكذبين فى الدنيا اذا ظهرت تعاليمه وانتشر فى الخافقين نوره، أو فى الآخرة اذا رأوا نجاة المصدقين به، المتمسكين بحبله، وعود ضمير «وانه لحسرة» على القرآن أنسب، وبذلك ينتظم شمله مع ضمير «وانه لتذكره» الذى قبله وضمير، «وانه لحق اليقين» الذى بعده فانهما للقرآن.
ومعنى «وانه لحق اليقين» ان القرآن هو اليقين، أى الحق الثابت الذى لا شبهه فيه ولا ريب، والجملة من مقوله تعالى، يثبت بمضمونها قلب نبيه صلّى الله عليه وسلم، فلا يلين فى الدعوة ولا يضعف عزمه لتكذيب أولئك المكذبين ورميهم له بمختلف التهم وملفق الدعاوى.
ومعنى «فسبح باسم ربك العظيم» اذا كان من عاقبة المكذبين ما ستعلمه يا محمد وسيعلمونه هم، وكان القرآن وحيا من الله يقينا لم يبق الا ثباتك فى أمرك ومضيك فى ما ندبت له من تبليغ رسالتك، واستعن على مهمتك هذه بتسبيح ربك، والشكر له، على أن اختصك بكرامة النبوة، وعلو المرتبة، فهو ربك الذى أحاطك بعنايته، والعظيم الذى يصغر كل شىء اذا قيس بعظمته، وهو تعالى وحده الذى يجب أن تسبحه وتشكر له، وترجوه وتخافه، ودع عنك أولئك المكذبين جانبا».


الصفحة التالية
Icon