كان تقدير الصاحب للمعتزلة كبيرا إلى درجة أنه ما كان يولى القضاء إلا من المعتزلة.
كان القاضى عبد الجبار حينئذ صاحب شهرة عريضة، بل إنه بدأ يحتل مكان الرئاسة للمعتزلة فاستدعاه الصاحب إلى «الرى» واصدر له امرا يتولى رئاسة القضاء فى (الرى) (وقزوين) وغيرهما ثم ولاه اضافة إلى ذلك جرجان وطبرستان.
وأتته الدنيا راغمة وكثر ماله وخدمه وحشمه، وما كان ذلك عن انحراف فى طريقه فقد كان مثلا كريما للعدالة والتحرى الدقيق فى الاحكام.
أما تقدير الصاحب وحبه له فقد فاق كان وصف:
لقد وصل به الأمر أن كان يقول عنه: افضل أهل الأرض.
ويقول عنه: أعلم أهل الأرض.
وما من شك أنه كان صاحب خلق فاضل، وصاحب علم عزيز.
وبيما القاضى فى اوج الشهرة: إذا بالصاحب ينتهى أجله، ويذهب للقاء ربه.
وهنا بدأت مشكلة فى غاية العمق تختلف فيها الأنظار فى كل زمن، وقد اختلفت فيها الأنظار اختلافا كبيرا إذا ذاك، ولعل الكثيرين يتفقون معنا فى انها تحتاج حقيقة إلى تامل.
لقد أحسن الصاحب إلى القاضى كل الإحسان واحبه وقدره وغمره بالمال والمناصب ثم مات الصاحب ودعى القاضى للصلاة عليه وهنا وقف القاضى بين أمرين كلاهما مر أحدهما مبدؤه- مبدأ القاضى- وهو مبدأ الاعتزال، وهذا المبدأ يقتضى التوبة الصادقة لأن مرتكب الكبيرة فاسق فإذا لم يتب فلا صلاة عليه، هل يصلى عليه ويخالف فى ذلك مبدأه ويصغر فى عين نفسه ويصبح بمخالفته مبدأه مهرجا أو مزيفا.