«إن التابعين قالوا أقوالا فى معانى القرآن لم يسندوها ولا ادعوا أنها محذوفة الأسانيد، وقد اختلفت أقوالهم فى معانى آيات كثيرة اختلافا ينبئ إنباء واضحا بأنهم إنما تأولوا تلك الآيات من أفهامهم كما يعلمه من له علم بأقوالهم، وهى ثابتة فى تفسير الطبرى ونظرائه، وقد التزم الطبرى فى تفسيره أن يقتصر على ما هو مروى عن الصحابة والتابعين، لكنه لا يلبث فى كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره منها وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلام العرب، وحسبه بذلك تجاوزا لما حدده من الاقتصار على التفسير بالمأثور وذلك طريق ليس بنهج، وقد سبقه إليه بقى بن مخلد ولم نقف على تفسيره، وشاكل الطبرى فيه معاصروه، مثل ابن حاتم وابن مردويه والحاكم، فلله در الذين لم يحبسوا أنفسهم فى تفسير القرآن على ما هو مأثور مثل الفراء وأبى عبيدة من الأولين، والزجاج والرّمانى ممن بعدهم، ثم الذين سلكوا طريقهم مثل الزمخشرى وابن عطية» (١).
وهذه ضوابط استخلصها ابن عاشور من المراحل المتعاقبة لتاريخ التفسير التى تنوعت فيها أدوات المفسرين واتجاهاتهم، خصوصا أصحاب الاتجاهات الإخبارية والنزعات الحزبية، أو الإشارات الصوفية أو القصصية، وأقحموا فى التفسير ما لا خير فيه، وجاءوا بالموضوعات والإسرائيليات، وابتعدوا عن أصالة العربية ومقاصد الشريعة، وضيقوا معانى الآية، واستباحوا لأنفسهم أن يقولوا دون علم أو تأويل صحيح.
أما هؤلاء الذين خلصت نياتهم وسلمت قلوبهم واكتملت أدواتهم وقدراتهم والذين عرفهم تاريخ التفسير من صحابة وتابعين ومفسرين فلهم أن يقولوا بما هداهم الله إليه، وقد راح ابن عاشور وفق هذه الضوابط التى انتهى إليها فى (التفسير بالرأى) يفسر آيات الكتاب الكريم، يستعين أولا بمقومات