«وجيء بالمضارع مع" قد" للدلالة على التجدد، والمقصود تحدد لازمه ليكون تأكيدا لذلك اللازم وهو الوعد، فمن أجل ذلك غلب على" قد" الداخلة على المضارع أن تكون للتكثير مثل ربما يفعل، كما قال عبيد بن الأبرص.

قد أترك القرن مصفرا أنامله كأنّ أثوابه مجت بفرصاد» (١)
من شعر زهير (٢)، ومالك بن الريب (٣).
فى التعبير عن المستقبل بأحداث لم تقع بعد، لغرض استحضار السامع لها على هيئة مخصوصة، ذكر ابن عاشور فى قوله تعالى:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (سورة البقرة: الآية ١٧٥).
«وقوله فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ تعجيب من شدة صبرهم على عذاب النار، ولما كان شأن التعجيب أن يكون ناشئا عن مشاهدة صبرهم على العذاب، وهذا الصبر غير حاصل فى وقت نزول هاته الآية بنى التعجيب على تنزيل غير الواقع منزلة الواقع لشدة استحضار السامع إياه بما وصف به من الصفات الماضية، وهذا من طرق جعل المحقق الحصول فى المستقبل بمنزلة الحاصل، ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ الماضى وتنزيل المتخيل منزلة المشاهد كقول زهير:
(١) التحرير والتنوير، ج ٢، ص ٢٧.
(٢) من أصحاب القصائد التسع المشهورات.
(٣) هو مالك بن الريب بن حوط بن حوط، كان ظريفا أديبا فاتكا، وهرب من الحجاج لأنه هجاه، وخرج إلى خراسان، ففرّ مع سعيد بن العاص، مات بها، انظر معجم الشعراء للمرزبانى، ص ٢٦٥، تحقيق عبد الستار أحمد فراج.


الصفحة التالية
Icon