وفى المثال الثالث ذكر ابن عاشور فى تفسير قوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ... الآية، شروط التأويل الصحيح، فقوله تعالى ينهى عن خلط الحق بالباطل، لذا نهى الفقهاء عن الاقتباس من القرآن فى غير المعنى الذى جاء له، ومثل ابن عاشور هذا الحال ببيتى ابن الرومى، فإذا كان مديح لصاحبه خطأ، فلم يكن هناك خطأ فى منعه، وحاله فى ذلك شبيه يحسن حط رحاله فى واد قفر لا زرع ولا حياة فيه مثله كمن يؤوّل القرآن فى غير معناه.
وفى المثال الرابع فى تفسير معنى" الطَّرْفِ"، فى قوله تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فهو بمعنى الناحية الذى هو منتهى المكان، كما يقول:
طرف المدينة، وهو هنا مستعار لطائفة من المشركين، ويجوز أن يكون لأشرافهم، وبيت أبى تمام المذكور معناه: إن المكان المحمى كان فى الوسط، وتتابع الأصداف عليه حصلته بعيدا، كذا استئصال هؤلاء الذين يمثلون اليدين والرجلين والرأس من جسد الشرك.
نخلص من ذلك إلى أن توظيف الشعر عند ابن عاشور كان على النحو التالى:
- كان شعر عصور الاحتجاج كاشفا عن معنى المفردات القرآنية، أو كيفية الاستعمالات اللغوية وأحوالها المختلفة كما عرفها الكلام العربى الفصيح (١).

(١) ذكر الدكتور رمضان عبد التواب عن الشعر الجاهلى:
«كان أساسا لاعتماد اللغويين- فى غالب الأحيان- لاستنباط قواعد الكلام العربى ودلالات ألفاظه، وتصنيف صيغه وأوزن مفرداته». فصول فى فقه اللغة، ص ٨، ط ٣، مكتبة الخانجى، القاهرة ١٤٠٨ هـ- ١٩٩٧ م.


الصفحة التالية
Icon