وقوله: يا أَرْضُ ابْلَعِي (١)، وقوله: صِبْغَةَ اللَّهِ (٢) إلى غير ذلك من وجوه البديع. ورأيت من محاسن التشبيه عندهم كمال الشبه، ورأيت وسيلة ذلك الاحتراس، وأحسنه ما وقع فى القرآن كقوله تعالى: فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٣).
احتراس عن كراهة الطعام: وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى (٤) احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحلة.
والحديث هنا عن بعض وجوه البلاغة مثل حسن المطابقة، والالتفات، والاستعارة، ومحاسن التشبيه، ومدى اهتمام العرب بهما، وامتياز امرئ القيس فيهما، وما جاء فى القرآن منهما على وجوه بديعة غير مسبوقة أسكتت الفصحاء.
ويمثل التقديم والتأخير وصياغتهما فى جمل القرآن عند ابن عاشور لونا من ألوان الإعجاز، ويأتى بمثل فى هذه المقدمة، ويفصل القول فيه:
«وإن للتقديم والتأخير فى وضع الجمل وأجزائها فى القرآن دقائق عجيبة كثيرة لا يحاط بها وسننبّه على ما يلوح منها فى مواضعه إن شاء الله.
وإليك مثلا من ذلك يكون لك عونا على استجلاء أمثاله. قال تعالى:

(١) سورة هود: الآية ٤٤.
(٢) سورة البقرة: الآية ١٣٨.
(٣) سورة محمد: الآية ١٥.
(٤) سورة محمد: الآية ١٥.
وانظر التحرير والتنوير، ج ١، ص ١٠٩.


الصفحة التالية
Icon