وابن عاشور هنا فى هذا المثال- فى حديثه عن الإعجاز القرآنى- يرصد وضع الحرف واللفظة والجملة دون أن يفصل طبيعة اللغة عن دلالتها، وتوظيف اللغة على هذا النحو توظيفا يكشف عن بعض أبعاد الآية حيث يلتئم المعنى اللغوى مع المعنى البلاغى دون استطراد أو تفريع.
ويتضح دور اللغة عنده كذلك فيما ذكره فى تفسير قوله تعالى:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (سورة النساء: الآية ٣٤).
«ومن بديع الإعجاز صوغ قوله بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فى قالب صحيح للمصدرية وللموصولية، فالمصدرية مشعرة بأن القيامية سببها تفضيل من الله وإنفاق، والموصولية مشعرة بأن سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم ليصلح الخطاب للفريقين، عالمهم وجاهلهم، كقول السموأل أو الحارثى:

مثلى إن جهلت الناس عنّا وعنهم فليس سواء عالم وجهول
ولأن فى الإتيان ب (ما) مع الفعل على تقدير احتمال المصدرية جزالة لا توجد فى قولنا: بتفضيل الله وبالإنفاق، لأن العرب يرجحون الأفعال على الأسماء فى طرق التعبير» (١).
واللغة هنا هى التى تقوم ببيان وجه الإعجاز فى الآية، فقوله تعالى فيها صالح لخطاب الفريقين المذكورين.
الجاهل: الخطاب فيه بالمصدرية التى تشعر أن سبب قوامية الرجال على النساء هو تفضيل من الله تعالى، وبما ينفقون من أموال عليهن.
(١) التحرير والتنوير، ج ٥، ص ٤٠، ٤١.


الصفحة التالية
Icon