«وقد عد الله تعالى فى هذه الآية وغيرها السماوات سبعا، وهو أعلم بها والمراد منها، إلا أن الظاهر الذى دلت عليه القواعد العلمية أن المراد من السموات الأجرام العلوية العظيمة، وهى الكواكب السيارة المنتظمة مع الأرض فى النظام الشمسى، ويدل لذلك أمور، أحدهما: أن السموات ذكرت فى غالب مواضع القرآن مع ذكر الأرض، وذكر خلقها هنا مع ذكر خلق الأرض، فدل على أنها عوالم كالعالم الأرضى، وهذا ثابت للسيارات، ثانيها: أنها ذكرت مع الأرض من حيث إنها أدلة بديع صنع الله تعالى، فناسب أن يكون تفسيرها تلك الأجرام المشاهدة للناس المعروفة للاسم الدال نظام سيرها وباهر نورها على عظمة خالقها، ثالثها: أنها وصفت بالسبع، وقد كان علماء الهيئة يعرفون السيارات السبع من عهد الكلدان وتعاقب علماء الهيئة من ذلك العهد إلى العهد الذى نزل فيه القرآن فما اختلفوا فى أنها سبع، رابعها: أن هاته السيارات هى الكواكب المنضبط سيرها بنظام مرتبط مع نظام سير الشمس والأرض، ولذلك يعبر عنها علماء الهيئة المتأخرون بالنظام الشمسى، فناسب أن تكون هى التى قرن خلقها بخلق الأرض، وبعضهم يفسر السموات بالأفلاك، وهو تفسير لا يصح لأن الأفلاك هى الطرق التى تسلكها الكواكب السيارة فى الفضاء، وهى خطوط فرضية لا ذوات لها فى الخارج» (١).
وما ذكره ابن عاشور فى هذه الفقرة يعد مما أشار إليه القرآن الكريم أو يتفق معه، وابن عاشور يلجأ إلى توضيح ذلك من خلال صياغة القرآن لهذه الحقائق، أو ما وصفه بها، واتفاق العلماء إلى عصر نزوله حولهما، وقد رفض ابن عاشور تفسير بعض العلماء أن السموات هى الأفلاك، وتعليله فى هذا الرفض أن السموات غير الأفلاك، فهى الطرق التى تسلكها الكواكب السيارة

(١) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٣٨٥ - ٣٨٦.


الصفحة التالية
Icon