والزمخشرى فى تفسيره:
«والغرض من هذا الكلام إذا أخذته بجملته ومجموعه تصوير عظمته، والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقية، أو جهة مجاز» (١).
وفحوى كلام ابن عاشور فى تفسير هذه الآية أن معنى" اليمين" وصف لليد، ولا يد هنا. وإنما هى كناية عن القدرة، واستشهد على هذا المعنى بما أنشده الفراء والمبرد وما ذكره القرطبى:
ومقصود هاتين الجلتين تمثيل لعظمة الله تعالى. وفيما أورده من حديث أبى هريرة" يطوى السموات بيمينه"، وما ذكره فى آخر تفسيره للآية، واستهزاء الرسول ﷺ بالحبر اليهودى حين ظن أن الله يفعل ذلك حقيقة، وأن له يدا وأصابع حسب اعتقاد اليهود التجسيم، وما توهمه اليهودى توزيعا على الأصابع إنما هو مجاز عن الأخذ والتصرف.
وأياما كان الأمر فإن ابن عاشور قد ذهب إلى صرف معنى" اليد" إلى معنى مجازى، ودرا فهمه لحديث الرسول" صلى الله عليه وسلم" الذى رواه ابن مسعود على هذا النحو.
ومهما يكن من شىء، فإن الزمخشرى وابن عاشور يهدفان إلى تنزيه الله تعالى عن أن يشابه المخلوقين، ف" اليد" التى نعلمها بالضرورة، ولا نعلم كيفيتها، هى عند ابن عاشور القدرة، وعند الزمخشرى إذا أخذنا الكلام بجملته ومجموعة تصوير عظمة الله تعالى والتوفيق على كنه جلاله... يقصد صرف اللفظ، أو تأويل المعنى إلى ما يتفق مع مذهبه (٢).

(١) الكشاف المجلد الثالث ص ٤٠٨ دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت- لبنان.
(٢) انظر تفسير التحرير والتنوير ج ٦ ص ٢٤٨. تفسير قوله تعالى:" وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ" المائدة: ٦٤.-


الصفحة التالية
Icon