وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم، فنحن أشدّ الناس احتياجا إلى التفسير، ومعلوم أن تفسير بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة، وكشف معانيها، وبعضه من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض) (١).
وهكذا فمسألة تفسير القرآن وتأويله شرف كبير يؤتيه الله من شاء من خلقه، دليل ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٢).
وفسّر الحكمة حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه بقوله:
المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
ومن طريق آخر قال ابن عباس: يعني تفسير القرآن، فإنه قد قرأه البرّ والفاجر.
وزاد أبو الدرداء فقال: الحكمة هي: قراءة القرآن والفكرة فيه.
قال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، بيان ذلك أن شرف الصناعة إمّا بشرف موضوعها مثل الصياغة، فإنها أشرف من الدباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة، وإما بشرف غرضها، مثل صناعة الطب، فإنها أشرف من صناعة الكناسة، لأن غرض الطب إفادة الصحة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح، وإما لشدّة الحاجة إليها كالفقه، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام
(٢) البقرة: ٢٦٩.