ولهذا نجد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرسل كبار الصحابة إلى البلاد التي فتحها المسلمون وذلك بهدف التعليم وبنحو ذلك، مثال ذلك: إرساله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى العراق، وقد كتب رسالة إلى العراقيين، جاء فيها: (.. إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود معلما، ووزيرا، وإنهما من النجباء من أصحاب رسول الله ﷺ من أصحاب بدر، وقد جعلت عبد الله بن مسعود على بيت مالكم، فتعلّموا منهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله ابن مسعود على نفسي.. ) (١).
أجل!
فالصحابة الكرام عايشوا فترة تنزّل القرآن الكريم، ففهموا أسباب نزوله، حتى إن واحدا منهم، وهو عبد الله بن مسعود كان يقول:
والذي لا إله غيره ما نزلت آية من الكتاب إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تطاله المطايا لأتيته!
.. ومع كل ذلك كان ابن مسعود يوجّه الناس إلى اتباع ما كان عليه الصحابة الكرام، معللا ذلك بقوله:
«من كان منكم متأسّيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم).
وهذا ما فهمه الإمام الشافعي، حيث أكّد على أخذ الأمور الدينية مما ورد عن الصحابة الأكارم، وذلك في قوله:
(.. وهم- أي الصحابة- فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم، واستنبط به حكم، وآراؤهم لنا أحمد

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد: ٦/ ٧ - ٨.


الصفحة التالية
Icon