ومنهم من قال: هو اتباع السنّة والجماعة، ومنهم من قال: هو طريق العبودية، ومنهم من قال: هو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك.
فهذه كلها أقوال لا منافاة بينها ولا تباين، بل كلها متفقة في الحقيقة، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، وهو طاعة الله ورسوله، وهو طريق العبودية لله، فالذات واحدة، وكلّ أشار إليها ووصفها بصفة من صفاتها.
٢ - أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحدّ المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه.
مثال ذلك ما نقل في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) (١).
فبعضهم فسّر السابق بمن يؤدي الزكاة المفروضة مع الصدقة، والمقتصد بمن يؤدّيها وحدها، والظالم بمانع الزكاة.
فكلّ من المفسرين ذكر فردا من أفراد العام على سبيل التمثيل لا الحصر، لتعريف المستمع أن الآية تتناول المذكور، ولتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يكون أسهل من التعريف بالحدّ المطابق، والعقل السليم يتفطّن للنوع بذكر مثاله، وهذا الاختلاف في ذكر المثال لا يؤدّي إلى التباين والتناقض في الأقوال، إذ من المعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيّع للواجبات والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يتناول من تقرّب بالحسنات مع الواجبات.

(١) فاطر: ٣٢.


الصفحة التالية
Icon