القسم الثالث، وهو ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم كبيان المجمل، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل، وما إلى ذلك من كل ما خفي معناه والتبس المراد به.
هذا، وإن مما يؤيد أن النبي ﷺ لم يفسّر كل معاني القرآن، أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقع بينهم الاختلاف في تأويل بعض الآيات، ولو كان عندهم فيه نصّ عن رسول الله ﷺ ما وقع هذا الاختلاف، أو لارتفع بعد الوقوف على النص (١).
إذا:
ثبت من ناحية النقل أن رسول الله ﷺ لم يفسّر القرآن كله.
وأما من ناحية العقل، فالعقل يتساءل: إذا كان الرسول قد فسّر القرآن كله، فأين هذا التفسير.
والباحث يعلم أن كل أقوال النبي ﷺ وحركاته وما إلى هنالك ضبطت في كتب السيرة والسنة والأحاديث الشريفة، ولم ينقل لنا أحد تفسيرا كاملا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإلى هذا الرأي الوسط ذهب جماعة من العلماء القدامى والمحدثين، من ذلك مثلا: قال الإمام ابن جزي الكلبي رحمه الله تعالى: ورد عن النبي ﷺ كثير من تفسير القرآن فيجب معرفته، لأن قوله عليه السلام مقدّم على أقوال الناس (٢).
وقال الإمام الزركشي رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن الحكمة من أن النبي ﷺ لم يفسّر القرآن كله: إن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه على التنصيص على المراد (٣).

(١) للتوسع يراجع: التفسير والمفسرون: ١/ ٤٨ - ٥٤.
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل: ١/ ٧.
(٣) البرهان في علوم القرآن: ١/ ١٥.


الصفحة التالية
Icon