لقد شغل الرازى الناس فى عصره، وملأ الدنيا علما وفكرا، وما زلنا نذكره بخير من خلال ما سطره بنانه من صفحات، وما بزّ فيه أقرانه من مناظرات ومحاورات، تثبت أن هذا الرجل مكتبة متحركة أينما حلت أفادت، وحيثما توجهت أنارت الطريق أمام السائلين، والمتعلمين، والعلماء، والباحثين، ولقد صدق وصف السبكى فيه «انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية، وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية» (١).
فآثاره العلمية والأدبية والفلسفية والشرعية تدل عليه دلالة واضحة، وما سجله العلماء والباحثون والمؤرخون فى حياته أو عن حياته، وبعد مماته خير دليل على هذه الآثار وتشهد على أننا أمام دائرة معارف متكاملة الفروع، ومتنوعة الأصناف ما بين طب ودين وأدب وفلسفة عربية وفارسية، فالناظر فى حياة الرجل يجده موسوعيا، لا يدرى الناظر فى علومه من أين يبدأ، ولا من أى الفنون يأخذ، فهو رأس فى الذكاء والعقليات، وبحر فى العقائد والحكمة والشرعيات تفسيرا وفقها وأصولا.
وكتابه الكبير «مفاتيح الغيب» (٢) أو «التفسير الكبير» بلغ اثنين وثلاثين جزءا من الحجم الكبير والورق الكبير، الذى يربو على تفسير الطبرى بعدة أجزاء، وليس له مثيل بين كتب التفسير.
وكذلك كتابه الفذ فى أصول الفقه، الذى يعد علما على

(١) السبكى: طبقات الشافعية ٨/ ٨١ ط الحلبى.
(٢) طبع الكتاب باسم التفسير الكبير، فى عدة دول إسلامية، وأعتمد على طبعة دار الكتب العلمية بطهران، الطبعة الثانية بدون تاريخ.


الصفحة التالية
Icon