أن جابه أقرانه وأعداءه، والفرق المختلفة، دون غلو أو شطط، وكان أبرزها الكرامية السابق ذكرهم.
ومن كلام الفخر الرازى فى وصيته لتلميذه إبراهيم بن أبى بكر الأصفهانى «ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوى الفائدة التى وجدتها فى القرآن لأنه يسعى فى تسليم العظمة والجلالة لله تعالى، ويمنع عن التعمق فى إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى فى تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية، فلهذا أقول: كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته، وبراءته من الشركاء فى القدم والأزلية والتدبير والفعالية، فذلك هو الذى أقول به وألقى الله به» (١).
مما سبق من مدح وقدح، ومناظرات واعترافات آخرها ما ذكره لتلميذه، نستشف رجوع الرازى الصادق إلى طريق الله القويم وعقيدة المسلمين التى لا تقبل جدالا ولا مواربة، فشهد الرازى على نفسه بعد أن جرّب المناهج والطرق أن العقل قاصر مهما أوتى من فطنة وذكاء، والقاصر لا يستطيع أن يدرك كمال الله تعالى وعظمته إلا بالخضوع له والتسبيح بحمده وعبادته حق العبادة، وأن الله تعالى الخالق والمعبود بحق، فالرجوع إلى الحق أحق، والاعتراف بالتقصير بداية تصحيح الخطأ، والوقوف على الصراط المستقيم، وهذا سبيل الصادقين مع أنفسهم من العلماء الذين انتفعوا بما علموا، ووقفوا عند ما لم يعلموا، فقد جدد الرجل العهد مع الله تعالى على أن القرآن هو أساس كل حكمة، وعنوان كل فائدة، أما مناهج هؤلاء

(١) الذهبى: تاريخ الإسلام ٤٣/ ٢٢١.


الصفحة التالية
Icon