لا شك أن الرازى عالم متعدد الجوانب، كثير المنافع لمن حوله ولمن أتى بعده، وهذا يتطلب من الرازى أن لا يقصر همه على علم بعينه أو فن بذاته، فأخذ من كل العلوم بأطراف متينة، وثقافة قويمة، ولكنه رجع عن علوم ظنها تفيده، وليست كذلك، مثلى ما فعله مع علم الكلام واشتغاله به، وما جرّ عليه الخوض فيه من آلام وأسقام جعلته يتمنى عدم شغله به، وصرف همه إلى غيره من المهم والمفيد، مما جعل ابن حجر العسقلانى يقول «وأوصى الرازى بوصية تدل على أنه حسن اعتقاده» (١) وهذا ما كشفت عنه الوقفة الأولى فى وصية الرازى التى كتبها قبل موته، معترفا بصواب منهج القرآن فى إثبات العقيدة الصحيحة، وخطأ ما عداه من المناهج والطرق التى سلكها هو، وتبين زيفها وقصرها قال (٢) «ورأيت الأصلح والأصوب طريقة القرآن، وهو ترك الرب، ثم ترك التعمق ثم المبالغة فى التعظيم من غير خوض فى التفاصيل، فأقرأ فى التنزيه قوله تعالى:
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد: ٣٨]، وقوله تعالى: فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١]، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] وأقرأ فى الإثبات قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] وقوله تعالى:
(٢) الذهبى: تاريخ الإسلام ٤٣/ ٢١٨ - ٢٢٢.