ذكرها أعظم ملائكته فى أشرف أوقات معارجهم، ونطق بها أعظم أنبيائه فى أكمل أوقات شهادتهم، وأحمده بالمحامد التى يستحقها، عرفتها أو لم أعرفها، لأنه لا مناسبة للتراب مع رب الأرباب، وصلاته على الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين وجميع عباد الله الصالحين» (١).
فهذه حقا وصية عالم بما يقول، نادم على ما مضى، فالله- سبحانه وتعالى غفار الذنوب، ستار العيوب، وخاصة من كان حاله كحال الرازى فى قوله: «إن كنت ترحم فقيرا فأنا ذاك، وإن كنت ترى معيوبا، فأنا ذاك المعيوب وإن كنت تخلص غريقا فأنا الغريق فى بحر الذنوب»، فالله سبحانه وتعالى يغفر للعبد ما لم يغرغر، وهذا العبد الذى دوّن وصيته، ما زال حيا، فعسى أن ينفعه الله تعالى بما حمده به، ويغفر له ما وقع فيه من أخطاء وذنوب، وبخاصة ختام الوصية الذى جعله الرازى ردا على أسئلة الملائكة فى القبر، وساعة الدفن «وأقول: دينى متابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكتابى القرآن العظيم، وتعويلى فى طلب الدين عليهما، اللهم يا سمع الأصوات، ويا مجيب الدعوات، ويا مقيل العثرات، أنا كنت حسن الظن بك، عظيم الرجاء فى رحمتك، وأنت قلت «أنا عند ظن عبدى بى» وقلت أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [النمل:
٦٢]. فهب أنى ما جئت بشيء، فأنت الغنى الكريم، وأنا المحتاج اللئيم، فلا تخيب رجائى، ولا ترد دعائى، واجعلنى آمنا من عذابك قبل الموت وبعد الموت، وعند الموت، وسهّل علىّ سكرات الموت، فإنك أرحم الراحمين».

(١) الذهبى: تاريخ الإسلام ٤٣/ ٢١٨ - ٢٢٢.


الصفحة التالية
Icon