وهذه الوقفة من خلال الوصية التى أوصى بها تلميذه، فهى مع الكتب والمصنفات التى جلبت عليه الحساد والنقاد، ولكن أمرهما هين إذا قورنت بهموم النفس، وتبعات المكتوب، هل هى فى ميزان حسناته أو سيئاته، وهل أخلص النية فيها أو لا؟!
فلا بد من إبراء الذمة، والاعتراف بالنقص فهو سبيل الرشاد، وطريق الهدى إلى من لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء فقال فى وصيته: «وأما الكتب التى صنعتها، واستكثرت فيها من إيراد السؤالات، فليذكرنى من نظر فيها بصالح دعائه، على سبيل التفضل والإنعام، وإلا فليحذف القول السيئ، فإنى ما أردت إلا تكثير البحث، وشحذ الخاطر، والاعتماد فى الكل على الله تعالى» (١).
والرازى- فى نظرى- يعد ما تركه من نافع كتبه، وصالح فكره صدقه جارية، يعود خيرها عليه، وترجع دعوات الصالحين من تلاميذه ومحبيه إليه، فالعلم النافع محصود، والولد الصالح موجود والصدقة الجارية فيما تركه أيضا موجودة، ولعمرى هذا غاية الذكاء من الرازى أن يحقق مضمون حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدق جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (٢)، ومن جانب آخر، فالرازى يحب الإخلاص

(١) الذهبى: تاريخ الإسلام ٤٣/ ٢٢٠.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووى ٣/ ١٢٥٥ ك الوصية باب ما يلحق الأب من الثواب برقم ١٦٣١ ط دار التراث، وقال الترمذى فى صحيحه ك الأحكام باب الوقف برقم ١٣٧٦ من الجزء ٣/ ٦٦٠ عن أبى هريرة: حديث حسن صحيح.


الصفحة التالية
Icon