تعالى قبل أمره له أنه يطيعه فى ما أمره به، ولكن المجازاة إنما تقع على الأعمال الموجودة، لا على علم الله بذلك- جل ذكره- قبل وجود طاعة الطائع ومعصية العاصى، وعلم أيضا أنه يفدى الذبيح بكبش بعد اضجاعه للذبح، فاستخرج منهما التسليم لأمره، والطاعة له فى ما أمرهما به، لتصح المجازاة على فعل موجود، والذبح من إبراهيم لابنه مأمور به وذبحه للكبش بدلا منه مأمور به أيضا، وكلاهما مراد لله تعالى وأمر، وكلام الله واحد لا اختلاف فيه، وإنما الاختلاف فى المأمور به فى وقتين مختلفين متقدمين فى علم الله قبل كل مخلوق، لم يسبق أحدهما الآخر، تعالى الله عن أن يكون ما لا يعلمه، وأن يبدو له ما لم يتقدم فى علمه (١).
فالقرآن الكريم يعلمنا أن كل رسول يرسل، وكل كتاب ينزل قد جاء مصدقا ومؤكدا لما قبله، فالإنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن مصدق ومؤيد لهما، ولكل ما بين يديه من الكتب، تصديقا لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١]. والواقع (٢) أن الإنجيل جاء بتعديل بعض أحكام التوراة، إذ أعلن عيسى- عليه السلام- أنه جاء ليحل لبنى إسرائيل بعض الذى حرم عليهم، وكذلك القرآن جاء بتعديل بعض أحكام الإنجيل والتوراة إذ أعلن أن محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- جاء ليحل للناس كل الطيبات ويحرم عليهم كل الخبائث، ويضع عنهم

(١) مكى بن أبى طالب: الإيضاح ٥١
(٢) د. شعبان محمد إسماعيل: نظرية النسخ فى الشرائع السماوية ٣٦


الصفحة التالية
Icon