أهل شريعة سابقة تناسوا هذا الضرب من التشريع، جاءت الشريعة اللاحقة بمثله أى أعادت مضمونه تذكيرا له وتأكيدا عليه.
والنوع الثانى من التشريعات الموقوتة بآجال طويلة أو قصيرة، فهذه تنتهى بانتهاء وقتها، وتجئ الشريعة التالية بما هو أوفق بالأوضاع الناشئة الطارئة، وهذا والله أعلم هو تأويل قول الله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: ١٠٦]. فكل شريعة جديدة تحافظ على الأسس الثابتة التى أرستها الشريعة السابقة فى التوحيد والعقيدة، ثم تزيد عليها ما يشاء الله زيادته من تشريعات أو حلال وحرام، فمثلا شريعة التوراة عنيت بوضع الأسس والمبادئ الأولية لقانون السلوك، لا تقتل، لا تسرق، فطابعها تحديد الحقوق، وطلب العدل والمساواة بين الناس، ثم نرى شريعة الإنجيل تقرر هذه المبادئ وتؤكدها، ثم تزيد عليها، وتترقى بآداب مكملة يبرز فيها التسامح والرحمة والإيثار والإحسان، وأخيرا تأتى الشريعة الإسلامية فتقرر المبدأين معا فى نسق واحد: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[النحل: ٩٠].
فتقدر لكل مبدأ درجته فى ميزان القيم الإسلامية، ومميزة بين المفضول منها والفاضل، وهكذا فى سور القرآن مثل سورة النور والحجرات والمجادلة وغيرها من السور التى صاغت قانون اللياقة فى السلوك الكريم للمجتمعات الرفيعة من التحية، والاستئذان، والمجالسة، والمخاطبة، إلى غير ذلك من إضافة أحكام وتغيير أخرى، فالحاصل أن الشرائع السماوية يكمل بعضها بعضا،


الصفحة التالية
Icon