عابوا على محمد- صلّى الله عليه وسلّم- شيئا قد وقع بالفعل، ونفذ عبادة وطاعة فى تغيير القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، فالتوجه واستقبال القبلة كان واجبا
ثم زال ذلك الواجب إلى البيت الحرام، ألا يدل ذلك على وقوع النسخ، وتغير الواجب إلى مثله أو أفضل منه، وقس على ذلك ما حدث من نسخ فى الآيات والأحكام التى نسخت إلى بدل أو إلى بدل أثقل أو أخف أو إلى غير بدل، وهو كثير فى القرآن.
قال الرازى (١): والاستدلال بهذه الآية من سورة البقرة على النسخ ووجوده ضعيف، فالآية لا تدل على حصول النسخ بل على أنه متى حصل النسخ وجب أن يأتى بما هو خير منه، وذلك لأن- ما- شرطية تفيد الشرط والجزاء، وإن كان هذا الرأى للرازى، قد خالف فيه الجمهور فى حجية الآية فى إثبات النسخ ووقوعه إلا أنه يستند إلى آيات أخرى معها مثل الآية السابقة من سورة النحل وقوله تعالى من سورة الرعد: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: ٣٩]، فهو لا ينكر النسخ ولا وقوعه، ولكنه يؤكد على أن الأقوى فى ثبوت النسخ ووقوعه دون معارضة أو ضعف فى الدليل، أن نعوّل على مجموع الآيات السابقة فى إثبات حجتنا، كى نضمن الرد المقنع على من يخالفنا دون أن ينفذوا إلى أدلتنا بثغرة ولو صغيرة، فهو مع رأى الجمهور، وزيادة عليها ما سبق، وأن النسخ حاصل فى القرآن، ولكن الأدلة لا بدّ أن تجتمع معا حتى لا يستطيع معترض أن يضعفها، فاقترح أدلة أخرى مع

(١) الرازى: التفسير الكبير ٣/ ٢٢٩.
- الرازى: المحصول ١/ ٣/ ٤٤٥ وانظر تعليق المحقق.


الصفحة التالية
Icon