وعبد الله بن عمر، وعائشة، وطاوس والحسن، وعن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء كهذا القول. وكالقول الأول، فعلى هذا القول الآية محكمة، ولا وجه للنسخ.
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: ٦].
اختلف العلماء فيها على قولين:
الأول: أن في الكلام إضمارا تقديره: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، وهذا قول سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وابن عباس، والفقهاء.
والثاني: أنه على إطلاقه، وأنه يوجب على كل من أراد الصلاة أن يتوضأ سواء كان محدثا أو غير محدث، وهذا مروي عن جماعة منهم علي، وعكرمة، وابن سيرين، ثم اختلفوا: هل هذا الحكم باق أم نسخ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه باق، وقال بعضهم: بل هو منسوخ بالسنّة، وهو حديث بريدة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى يوم الفتح بوضوء واحد، فقال له عمر: صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال: عمدا فعلته يا عمر (١).
وهذا قول بعيد لما سبق بيانه من أن أخبار الآحاد لا تجوز أن تنسخ القرآن، وإنما يحمل فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا على تبين معنى الآية، وأن المراد: إذا قمتم وأنتم محدثون. وإنما كان يتوضأ لكل صلاة لطلب الفضيلة.
وقد حكى أبو جعفر النحاس عن الشافعي أنه قال: لو وكلنا إلى الآية لكان على كل قائم إلى الصلاة الطهارة، فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلوات بطهور واحد بيّنها، فيكون المعنى: إذا قمتم وقد أحدثتم فاغسلوا (٢).
وقد قال بعضهم: يجوز أن يكون ذلك قد نسخ بوحي لم تستقر تلاوته، فإنه قد روى أبو جعفر بن جرير الطبري، بإسناده عن عبد الله بن حنظلة الغسيل رضي الله عنهما أن
النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه، فرفع عنه الوضوء إلا من حدث.

(١) أخرجه مسلم (٢٧٧) وأحمد (٥/ ٣٥٠ - ٣٥١، ٣٥٨) وأبو داود (١٧٢) والنسائي (١/ ٨٦) والترمذي (٦١) وابن ماجة (٥١٠) وأبو عوانة (٦٤٧، ٦٤٨، ٦٤٩) وابن خزيمة (١/ ١٠/ ١٣) وغيرهم، من حديث بريدة رضي الله عنه.
(٢) «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص ١١٥ - ١١٦).


الصفحة التالية
Icon