والثاني [أنها منسوخة]:
أنها تتضمن الاقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال، ثم نسخت بآية السيف والأول أصح.
ذكر الآية الثامنة
: قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: ١٠٥].
للعلماء فيها قولان:
القول الأول: أنها منسوخة:
قال أرباب هذا القول هي تتضمن كف الأيدي عن قتال الضالين فنسخت. ولهم في ناسخها قولان:
الأول: آية السيف.
والثاني: أن آخرها نسخ أولها. قال أبو عبيد القاسم بن سلام (١): ليس في القرآن آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه وموضوع المنسوخ منها إلى قوله:
لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ والناسخ قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ والهدى هاهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قلت: وهذا الكلام إذا حقق لم يثبت.
القول الثاني: أنها محكمة
، قال الزجاج: معناها إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم لا يؤاخذكم بذنوب غيركم. قال: وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف، لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له، فهو ضال وليس بمهتد.
قلت: وهذا القول هو الصحيح وأنها محكمة ويدل على إحكامها أربعة أشياء:
الأول: أن قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ يقتضي إغراء الإنسان بمصالح نفسه، ويتضمن الإخبار بأنه لا يعاقب بضلال غيره، وليس مقتضى ذلك أن لا ينكر على غيره، وإنما غاية الأمر أن يكون ذلك مسكوتا عنه فيقف على الدليل.
والثاني: أن الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف، لأن قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ أمر بإصلاحها وأداء ما عليها، وقد ثبت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار من جملة ما على الإنسان في نفسه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد دل على ما قلنا قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنما يكون الإنسان مهتديا إذا امتثل أمر الشرع، ومما أمر الشرع به الأمر بالمعروف.