وقال شيخنا علي بن عبيد الله (١): الخطاب في التكليف على ضربين: أمر ونهي، فالأمر استدعاء الفعل، والنهي استدعاء الترك. واستدعاء الفعل يقع على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: ما يكون على سبيل الإلزام والانحتام، إما بكونه فرضا أو واجبا. ونسخ ذلك يقع على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يخرج من الوجوب إلى المنع، مثل ما كان التوجه إلى بيت المقدس واجبا ثم نسخ بالمنع منه (٢).
والثاني: أن ينسخ من الوجوب إلى الاستحباب، مثل نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة إلى أن جعل مستحبا.
والثالث: أن ينسخ من الوجوب إلى الإباحة، مثل نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار إلى الجواز، فصار الوضوء منه جائزا.
والضرب الثاني: استدعاء على سبيل الاستحباب، فهذا ينتقل إلى ثلاثة أوجه أيضا:
الأول: أن ينتقل من الاستحباب إلى الوجوب، وذلك مثل الصوم في رمضان كان مستحبا فإن تركه وافتدى جاز، ثم نسخ ذلك بانحتامه في حق الصحيح المقيم.
والثاني: أن ينسخ من الاستحباب إلى التحريم، مثل: نسخ اللطف بالمشركين وقول الحسنى لهم (٣)، فإنه نسخ بالأمر بقتالهم (٤).
حدّث عنه السّلفي وابن ناصر الدين وابن عساكر وابن الجوزي، وغيرهم. كان من بحور العلم وأهل التقوى والزهد. وفاته سنة سبع وعشرين وخمسمائة (٥٢٧).
ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» (١٩/ ٦٠٥)، «وشذرات الذهب» (٦/ ١٣٣).
(٢) انظر «الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (١/ ٢٥١).
(٣) وذلك في قوله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.. [العنكبوت: ٤٦].
(٤) وذلك في قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: ٥].
وقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة: ٢٩].