جمهور المفسرين على أن المراد بالسيئة الشرك (١)، ولا يتوجه على هذا القول نسخ أصلا، وقد روى السّدّي عن أشياخه: أن المراد بالسيئة الذنب من الذنوب التي وعد الله تعالى عليها النار (٢). فعلى هذا يتوجه النسخ بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ١١٦] على أنه يجوز أن يحمل ذلك، على من أتى السيئة مستحلا فلا يكون نسخا (٣).
ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: ٨٣] اختلف المفسرون في المخاطبين بهذا على قولين:
الأول: أنهم اليهود، والتقدير: من سألكم عن شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم فاصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره، قاله ابن عباس، وابن جبير، وابن جريج، ومقاتل (٤).
والثاني: أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
ثم اختلف أرباب هذا القول، فقال الحسن: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر (٥). وقال أبو العالية: وقولوا للناس معروفا (٦). وقال محمد بن علي بن الحسين: كلّموهم بما تحبون أن يقولوا لكم، فعلى هذا الآية محكمة.
وذهب قوم إلى أن المراد بذلك: مساهلة المشركين في دعائهم إلى الإسلام، فالآية عند هؤلاء منسوخة بآية السيف. وهذا قول بعيد؛ لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار يفتقر إلى دليل، ولا دليل هاهنا، ثم إن إنذار الكفار من الحسنى (٧).
ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة: ١٠٤] قال

(١) انظر «تفسير ابن كثير» بتحقيق الشيخ الحويني (٢/ ٥٦٢).
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (١/ ٣٠٥/ ١٤٢٦).
(٣) انظر «صفوة الراسخ» (ص ٤٢).
(٤) انظر «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ١٦١/ ٨٤٥).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (١/ ١٦١/ ٨٤٦) وضعّفه الشيخ أبو إسحاق الحويني- حفظه الله- في تحقيقه على «تفسير ابن كثير» (٢/ ٥٧١).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (١/ ١٦١/ ٨٤٣).
(٧) انظر «صفوة الراسخ» (ص ٤٢ - ٤٣) و «الإيضاح لناسخ القرآن» (ص ١٢٤) و «تفسير القرطبي- الجامع لأحكام القرآن-» (٢/ ١٧).


الصفحة التالية
Icon