والرهبان، فالآية محكمة، لأن هذا الحكم ثابت. وإن عنوا من لم يقاتل من الرجال المستعدين للقتال توجّه النّسخ.
والثالث: أن الاعتداء إتيان ما نهى الله عنه، قاله الحسن.
والرابع: أنه ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام في الحرم قاله مقاتل.
والخامس: لا تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم. قاله ابن قتيبة (١). والظاهر إحكام الآية كلها، ويبعد ادّعاء النسخ فيها.
ذكر الآية السابعة عشر
: قوله تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة: ١٩١] اختلف العلماء هل هذه الآية منسوخة أو محكمة على قولين:
القول الأول: أنها منسوخة
، واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] فأمر بقتلهم في الحل والحرم، قاله قتادة.
[٥٠] (٢) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا أبو الفضل البقّال، قال: ابنا ابن بشران قال: ابنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن همام، عن قتادة وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فأمر أن لا يبدءوا بقتال، ثم قال: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة: ٢١٧] ثم نسخت الآيتان في براءة فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
قال أحمد: وحدّثنا حسين، عن شيبان، عن قتادة وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. قال: كانوا لا يقاتلون به حتى يقاتلوهم، ثم نسخ ذلك فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ
فأمر الله بقتالهم في الحل والحرم وعلى كل حال.
والثاني: قوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: ١٩٣] قاله الربيع بن أنس وابن زيد.
والثالث: قوله تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ قاله مقاتل.
والقول الثاني: أنها محكمة
، وأنه لا يجوز أن يقاتل أحد في المسجد الحرام حتى يقاتل، وهذا قول مجاهد والمحقّقين. ويدلّ عليه ما روي في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في مكة:

(١) كما في «القرطين» - كتابي مشكل القرآن وغريبه- (ص ٦٩).
(٢) أخرجه أبو داود في «ناسخه» كما في «فتح القدير» للشوكاني (١/ ٣٤٧).


الصفحة التالية
Icon