والثاني: أنه كان في أول الأمر إذا اعتدي على الإنسان فله أن يقتصّ لنفسه بنفسه من غير مرافعة إلى سلطان المسلمين، ثم نسخ ذلك بوجوب الرجوع إلى السلطان في إقامة الحدود والقصاص، قال شيخنا: وممن حكي ذلك عنه ابن عباس رضي الله عنهما.
قلت: وهذا لا يثبت عن ابن عباس ولا يعرف له صحة، فإن الناس ما زالوا يرجعون إلى رؤسائهم، وسلاطينهم في الجاهلية والإسلام، إلا أنه لو أن إنسانا استوفى حق نفسه من خصيمه من غير سلطان أجزأ ذلك، وهل يجوز له ذلك؟ فيه روايتان عن أحمد.
والثالث: أن معنى الآية فمن اعتدى عليكم في الشهر الحرام فاعتدوا عليه فيه ثم نسخ ذلك، وهذا مذكور عن مجاهد، ولا يثبت، ولو ثبت كان مردودا، بأن دفع الاعتداء جائز في جميع الأزمنة عند جميع العلماء، وهذا حكم غير منسوخ،
[الثانى أنها محكمة غير منسوخة]
والصحيح في هذه الآية أنها محكمة غير منسوخة، فأما أولها فإن المشركين لما منعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من دخول مكة في شهر حرام اقتصّ لنبيه عليه السلام بإدخاله مكة في شهر حرام.
[٥١] (١) - أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: ابنا أحمد بن المشن بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قال: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أحمد بن كامل القاضي، قال: ابنا محمد بن سعد العوفي، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمي الحسين بن حسن بن عطية، قال: حدّثني أبي، عن جدي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون حبسوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذي القعدة عن البيت ففخروا عليه بذلك فرجعه الله في ذي القعدة، فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم.
فأما قوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فقال سعيد بن جبير: كان المشركون قد عاهدوه يوم الحديبية أن يخلوا له مكة ولأصحابه العام المقبل ثلاثة أيام، فلما جاء العام الذي كان الشرط بينهما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه محرمين بعمرة، فخافوا أن لا يوف لهم المشركون بما شرطوا وأن يقتلوهم عند المسجد الحرام، وكره المسلمون القتال في شهر حرام وبلد حرام؛ فنزلت: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ أي: من قاتلكم من المشركين في الحرم فقاتلوه (٢).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١/ ٣٢٩/ ١٧٤١) عن سعيد بن جبير مختصرا.
وفي إسناده عبد الله بن لهيعة، ثم هو مرسل.