وقد تلجأ الصورة إلى التفصيل والتطويل في رسم المعنى الذهني، بقصد الزيادة في إيضاحه وبيانه، وتقوية عنصر التخييل والإثارة كقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها، وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ النحل: ٩١ - ٩٢.
فالصورة لا تتوقف عند حدود نقل المعنى الذهني وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وإنما تتواصل في داخل السياق وتتفاعل، في نمو صاعد، لتصوّر لنا حالة من ينقض العهد بامرأة حمقاء ضعيفة الرأي والعزم، فهي تنسج غزلها، وتفتل خيوطه، ثم تنقض غزلها، وتتركه مرة أخرى منكوثا محلولا، وصورة المرأة هذه تمثّل العبث، وضعف الإرادة، فالإنسان القوي السوي، لا يرضى أن يكون حاله مثل هذه المرأة المصابة في عقلها وإرادتها، وسلوكها، فيعيش حياة عابثة بدون هدف أو غاية.
وتصوّر العلاقة بين الرجل والمرأة بصورة كنائية، تجنبا للتعبير المباشر الذي لا يتناسب مع سمو الخطاب القرآني، وتهذيبا للنفوس، وإرشادا وتعليما للناس في مثل هذه المواطن التي يستهجن التصريح بها.
فتصور العلاقة الزوجية ب «الملامسة، والمباشرة، والإفضاء، والمس، والرفث، والحرث والإتيان، والغشيان، والدخول، والاستمتاع، والقرب... إلخ.
وهذا التنويع في التصوير للمعنى الواحد، ليس من قبيل التكرار اللفظي، بل إنه يدل على نظام العلاقات بين الصور بعضها ببعض في تصوير المعاني الذهنية من وجهة،
وتفاعل الصور مع السياق الواردة فيه من جهة أخرى.
يقول الله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ... النساء: ٢٠ - ٢١.
وصورة الإفضاء هنا وردت في سياق الطلاق والمهر، والسياق فيه ردع وزجر للزوج أن يستعيد ما أعطاه لزوجته من مهر بعد تلك المعاشرة الزوجية، لذلك جاءت هذه الصورة لتوحي بعمق العلاقة بين الزوجين، وهي علاقة حسية ومعنوية في الوقت نفسه، لذلك كان التعبير ب أَفْضى للإيحاء بالإفضاء الحسي والمعنوي معا، فجاء حذف المفعول هنا، للإيحاء بإفضاء المشاعر والعواطف أيضا، واستحضار صورة العلاقة الماضية، حتى يتم