وتعبّر عنه، لأنها من المادة اللغوية نفسها، ومن ملازمات خفض الجناح، والاختلاف في الصيغة لا يغيّر من جوهر الصورة لأن التصوير للمعنى بالجنوح، يوحي بحركة جناح يميل إلى السلام، ويرخي جناحه برقّة ولين.
وتنقل الصورة المعنى الذهني، وما يصاحبه من مشاعر وأحاسيس، كقوله تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ البقرة: ٨١.
فهذه الصورة، تعبّر عن المعنى وهو اقتراف الذنب، بلفظ «الكسب» للإيحاء بأن المذنب يقترف السيئة كأنّه يكسبها كسبا ماديا، ويضيفها إلى حسابه، وإيحاء آخر، وهو أن الذنب أو المعصية فيها إغراء وجاذبية تشدّ مقترفها إليها ولولا هذه الجاذبية والإغراء، ما أقدم على ارتكابها باندفاع وحماسة.
فالتصوير الحسي هنا، تصوير واقعي، مجسّم، يتغلغل في أعماق النفس، ليصوّر ما فيها من مشاعر وقت ارتكاب المعصية بلفظة واحدة هي «كسب» ولكن الصورة هادفة، وليست تصويرا للواقع لإقراره، والاعتراف به وإنما لتوجيه هذا الواقع المنحرف والتحذير من ارتكاب المعاصي، لهذا جاءت صورة الخطيئة المحيطة بصاحبها، بعد صورة اكتساب المعصية، واستخدام لفظ «الخطيئة» يعدّ حكما صادرا على الذنب أو المعصية، ولو ظنّ صاحبها أنها كسب له، فهي خطيئة يعاقب عليها.
وتصوّر الخطيئة، محيطة بصاحبها، والمذنب لا ينفك عنها، ولا يفلت من حصارها، فهو محبوس في داخلها، حتى تقضي عليه في النهاية. وهذه صورة تجسيمية للمعنى الذهني، لها وقعها في الحس والنفس معا أكثر من أي تعبير ذهني مجرد، لا يتجاوز تأثيره العقل أو الذهن، بينما هذه الصورة المجسّمة للخطيئة، تدخل إلى النفس، من منافذ شتّى، من الحس، والخيال، والذهن، والوجدان.
وصورة الإحاطة، تكررت في الأسلوب القرآني في مواضع عدة، لتصوير المعاني الذهنية من ذلك قوله تعالى وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف: ٤٢، والصورة هنا تعبر عن هلاك الثمر
واستئصاله.
وترد هذه الصورة في سياق آخر أيضا، لتعبر عن المعنى نفسه وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ البقرة: ١٩، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ العنكبوت: ٥٤.


الصفحة التالية
Icon