المائدة: ٧١، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ البقرة: ١٨، أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الرعد: ١٩.
ويمتد تصويرهم في مشهد حي شاخص، تبصرة العيون كأنه حاضر الآن، لتوضيح إصرارهم على الكفر واليأس من إيمانهم لأنهم مقمحون. يقول تعالى فيهم: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ، وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يس: ٨ - ٩.
فهؤلاء ليسوا في حالة تمكّنهم من رؤية الحق، على الرغم من قربه منهم، لأنهم محجوبون عنه بالموانع والسدود التي تمنعهم من رؤيته، فهم، لا ينظرون نظرة سوية إلى الأمام حتى يروه، كما أن حاسة الرؤية عندهم معطلة، فهم لا يبصرون، وكيف يبصرونه، وقد أقاموا من حولهم السدود والحواجز حتى لا يروه؟
يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: «يصوّرهم: أنهم مغلولون ممنوعون قسرا عن النظر، محال بينهم وبين الهدى والإيمان بالحواجز والسدود، فغطى على أبصارهم فلا يبصرون، إن أيديهم مشدودة بالأغلال إلى أعناقهم، موضوعة تحت أذقانهم، ومن ثم فإن رءوسهم مرفوعة قسرا لا يملكون أن ينظروا بها إلى الأمام ومن ثم فهم لا يملكون حرية النظر والرؤية وهم في هذا المشهد العنيف، وهم إلى هذا محال بينهم وبين الحقّ والهدى بسدّ من أمامهم، وسدّ من خلفهم، فلو أرخى الشدّ فنظروا لم تنفذ أبصارهم كذلك من هذه السدود، وقد سدّت عليهم سبيل الرؤية، وأغشيت أبصارهم بالكلال» «١٦».
ولكنّ الزمخشري رأى أن «الأغلال واصلة إلى الأذقان، ملزوزة إليها» «١٧» لهذا فهي تمنعهم من طأطأة رءوسهم، حتى لا يروا أمامهم.
وسواء أكانت الصورة المرسومة لهم تعني شدّ الأيدي بالأغلال إلى الأعناق، كما ذهب سيد قطب أم كانت الأغلال واصلة إلى الأذقان، كما قال الزمخشري، فإن النتيجة واحدة وهي أنهم مقمحون، أي أنّ رءوسهم مرفوعة إلى الأعلى، فلا يرون طريقهم لهذا السبب.
والذي يعنينا هنا من الصورة هو وظيفتها، لا هيئتها، ووظيفة الصورة في هذا السياق

(١٦) في ظلال القرآن: ٥/ ٢٩٥٩ - ٢٩٦٠.
(١٧) الكشاف: ٣/ ٣١٥.


الصفحة التالية
Icon