والمعنى الذهني هنا هو الخروج للجهاد، ينقل في صورة حسية «ضربتم»، وهذه الصورة مرتبطة بالمعنى، لأن الجهاد فيه ضرب وطعن، كما أنها متناسقة مع سياق قتال الأعداء، وجوّ المعارك.
ولكنّ هذه الصورة، ترد في سياق آخر، لتدلّ على السعي والحركة كقوله تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ النساء: ١٠١.
وقد تدلّ أيضا على الإحاطة والشمول كقوله تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ البقرة: ٦١، فكأن الذلّة والمسكنة هنا قبة مضروبة فوقهم، تحيط بهم، وتشملهم من جميع النواحي.
وقد تعبّر هذه الصورة عن النوم أيضا وذلك في قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً الكهف: ١١، فهي هنا توحي بثقل النوم وشدّته، حتى إن النائم منهم لا يسمع صوتا ولا حركة، وكأنه قد ضرب على سمعه بحجاب فلا يسمع بعد ذلك «٢٤».
وتتواصل هذه الصورة مع صورة الربط على القلوب، للإيحاء بالقوة والشدة في المعاني الذهنية المصوّرة كقوله تعالى: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الكهف: ١٤. وهذه الصورة الحسية تثير في الذهن صورة الأوعية المشدودة بإحكام، للإيحاء بقوة القلوب، وشدّها، حتى تتحمّل أعباء الدعوة، والربط فيه قوة وشدة، وهو ملائم للسياق الذي يتحدث عن الجهر بالدعوة وتحمّل مشاقّها.
وتتكرّر هذه الصورة الحسية أيضا، في تصوير قلب أم موسى، والربط عليه. وذلك في قوله تعالى: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ القصص: ١٠، والمعنى الذهني هنا هو أنها كادت تفقد صبرها، وينفلت تماسكها، ولكن الله قوّاها، وصبّرها، وقد عبّرت الصورة عن هذا المعنى بالربط على قلبها، وكأن قلبها قد انفلت كما ينفلت الشيء من عقدته، ثم جاء الربط ليقوي من قلبها ويعيد لها قوتها وتحمّلها. مثل الرباط الذي يمنع الشيء من الانفلات وإخراج ما فيه.
ومن هذا أيضا قوله تعالى في موضع آخر: وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ الأنفال: ١١، وقد تتجاوز الصورة نقل المعنى الذهني في إيحاءاتها، لتقوم بترسيخ