إلى وعده بالنصر، وتحمّل البلاء والشدائد، حتى يأذن الله برفع الابتلاء، وتحقيق النصر، وهذا ما توحي به الصورة.
فهذه الصورة المتخيّلة، تعبّر عن الحالة النفسية لغيظ النفس، وما يصاحب ذلك من حركات غريبة يقوم بها المغتاظ القانط، تجسّم هذه الحالة النفسية وهي في ذروة الضيق والكرب، وما تقوم به من حركات غريبة لدفع الكرب والضيق، في هذه الصورة الغريبة أيضا بالإضافة إلى ما في الصورة من إيحاء بأن تدبير الله هو النافذ. وأن ليس للإنسان إلا الاحتمال والصبر، وإلّا فليقتل نفسه غيظا وكمدا على هذه الصورة المرسومة أمامه في التعبير القرآني.
ولكنّ همّ الرسول ﷺ من نوع آخر، فقد كان حريصا على إيمان قومه، لما يعرف من الحقّ، وقد بلغ به هذا الحرص أن راح يكلّف نفسه ما لا تطيق، من الضيق بإعراضهم عن دعوة الله وقد عبّرت الصورة عن هذه الحالة النفسية في قول الله تعالى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشعراء: ٣ - ٤.
فحسرة الرسول ﷺ على تكذيب قومه، إلى حدّ قتله نفسه ألما وهمّا، مصوّرة في قوله باخِعٌ نَفْسَكَ وكلمة باخِعٌ تصوّر أقصى الدرجات في قتله نفسه غمّا وتأثرا، لعدم إيمانهم ثم جاءت الصورة التالية، لتخفّف عن رسول الله إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ وهذه الصورة الثانية، مرتبطة بالصورة الأولى في السياق ومتفاعلة معها، في التخفيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان مهمته في الإبلاغ فقط، وترك الاختيار لهم بعد الإبلاغ والدعوة، لأنّ الله لو أراد أن يخضعهم قسرا، لأنزل هذه الآية من السماء فجعل أعناقهم محنية خاضعة إلى يوم القيامة، ولكنّ الله أراد أن يترك حرية الاختيار للإنسان لحكمة يعلمها، وكلّف الرسول بإبلاغهم فقط.
وهذا المعنى يتناسق مع صورة عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأشفقن منها، ولكنّ الإنسان هو الذي حمل هذه الأمانة، ومسئولية الاختيار، وعليه أن يتحمّل ما يترتب على اختياره من نتائج. فالصور القرآنية متناسقة في تصوير المعاني، تهدف إلى بناء رؤية موحدة منسجمة للإنسان وأفعاله، وهي رؤية إسلامية واضحة في تناسق الصور على


الصفحة التالية
Icon