الموضوعة للمشابهة» «١». فهو يشكّل صورة فنية أكبر من الصورة التشبيهية عموما.
ويرى الزمخشري أن المثل في أصل كلام العرب يعني «المثل وهو النظير، يقال مثل ومثل ومثيل، كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مثل، ولم يضربوا مثلا ولا رأوه أهلا للتسيير، ولا جديرا بالتداول والقبول، إلا قولا فيه غرابة من بعض الوجوه، وقد استعير المثل للقصة أو الصفة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة» «٢».
وهذا هو الرأي الذي قال به ابن منظور حيث عدّ المثل والمثل بمعنى واحد، ويراد بهما معنى التسوية يقول ابن منظور: «مثل كلمة تسوية يقال هذا مثله كما يقال شبهه وشبهه بمعنى، والمثل الشيء الذي يضرب لشيء مثلا فيجعل مثله» «٣».
فالمشابهة في المثل، قد تكون من عدة وجوه كما رأى الأصبهاني في رأيه المتقدم، وقد تكون المشابهة مساوية للنظير، كما ذهب إلى ذلك الزمخشري وابن منظور.
لهذا كان المثل عند عبد القاهر الجرجاني يعني التشبيه التمثيلي، وهو نوعان: بسيط ومركب أما التمثيل البسيط فهو تشبيه مفرد بمفرد كقوله تعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هود: ٢٤.
وأما التمثيل المركب فهو يعتمد على أمور عدة «يجمع بعضها إلى بعض ثم يستخرج من مجموعها الشبه، فيكون سبيله سبيل الشيئين يمزج أحدهما بالآخر حتى تحدث صورة غير ما كان لهما في حال الإفراد، لا سبيل الشيئين يجمع بينهما وتحفظ صورتهما ومثال ذلك قوله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ
الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً
الجمعة: ٥» «٤».
ويرى الجرجاني أن التشبيه كلّما أوغل في كونه عقليا محضا كانت الحاجة إلى الجملة أكثر، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ... الآية. ويعقب على ذلك بقوله: «ترى في هذه الآية عشر جمل إذا فصلت» «٥».
(٢) الكشاف: ١/ ١٩٥.
(٣) لسان العرب: مادة مثل.
(٤) أسرار البلاغة: ٨٠ - ٨١.
(٥) المصدر السابق: ٨٧.